من الضيق يأتي الفرج

قصة واقعية

تشرق الشمس على الأرض الخضراء فتصبغها بلون يزيدها جمالا فوق جمالها ، وعلى طرف الحقول يقبع بيت تراصت الأحجار فيه لتصنع حوائطا يعتليها بعض من الخشب كى يصنع من هيكل المبنى بيتا يسكنه مع زوجته وأولاده الكل حوله يغط فى نوم عميق وهو بمفرده تفرد بالصحو مبكرا يسعى نحو براميله البلاستيكية يضع فيها لوحا من خشب ويستمر فى التقليب ، وعلى خيوط من لون أخضر هو لون الصابون السائل الذى عكف قبل نومه على صنعه ، ليس له غير تلك الصنعة يمزج الخامات بعضها ببعض ليصنع صابونا يعبئه فى أكياس ويحمله على دراجته المتهالكة ليدور به على الحوانيت الصغيرة ، ليعطى لكل حصته من الصابون مقابل جنيهات بسيطة تعينه على دفع عبء الحياة الذى أقض مضجعه وأنقض ظهره ، على تلك الخيوط التى تظهر فى المحلول الذى يقلبه رأى ابنته التى توشك أن تتزوج وما أعد لذلك شيئا فلا مال لديه سوى ما يحصله من التجار ، وما تحتاجه ابنته أكثر بكثير من أن يحلم بنصفه ، سبة فى جبينه أن تكون ابنته أقل من غيرها من نظيراتها من فتيات القرية اللائى تزوجن قبلها ، فما ذنبها هى فى فقره وحاجته ، وتنمحى صورة الفتاة لتأتى صورة الزوجة تلك التى عانت معه فى كل جوانب حياته فهى التى عاشت معه سنين الألم والفقر والعوز دون أن تطالبه بأكثر مما يمتلك ، رضيت بالقليل طمعا فى الراحة فما جاء غير شقاء فى شقاء .

ما الحيلة فيما أعانى ؟ ليس لها من دون الله كاشفة ، هو يثق بالله ويعلم أن الله لن يخزيه سيرفع الفاقة ويذهب الألم عن زوجته ويسعد أبنائه الصغار لا محالة فمن خلقهم أولى برعايتهم .
استقل دراجته وذهب فى جولته اليومية وما زالت الأفكار تطارده ويبعدها بثقته فى الله ، وبعد الجولة يعود للبيت ليجد الجميع فى انتظاره لتناول الطعام ، ترى ماذا يحدث إن جاءنى الموت وتركتهم على تلك الحالة ؟
لا أحد اليوم يشعر بمن حوله ، ولا خير فيمن اصطفينا أو جاورنا لا ملاذ إلا إلى الله هو العالم ببواطن الأمور وهو المدبر للخلاص من الهم والغم .

وما زاد طينه بللا أن الزوجة ابتليت بداء عضال ، فقد دقت نواقيس الخطر فى جسدها ، وعربد السرطان فى أحشائها فأضافت بذلك هما على همه ، كم كان يتمنى أن يحمل عنها بعض الداء ، لكنها تحملت الألم وحدها ، ليحمل هو ألما آخر كيف يأتى لها بالعلاج ، تروح صورة الزوجة وتأتى صورة أطفال صغار يريدون العيش كبشر تزيد متطلباتهم كلما زادوا فى الطول والسن ، مصروفات المدارس ومصروفات الحياة ومستقبل ينتظرهم لا يدرى هو نفسه ما يفعل فيه ، تصارعت الأفكار لديه وهو يعبيء أكياسه استعدادا للزج بها للتجار ، ماذا بعد ؟

ظل صاحبنا على تلك الحالة شاغلا فؤاده بما هو آت ، حتى أتى الله بالفرج جاءه وفد من مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم للأعمال الخيرية والإنسانية لبحث حالته ، سألوا عن دخله وأبناءه وزوجته ومضوا فى سبيلهم ، شعر الرجل بأن الحياة قد تتغير ، لم ينتظر كثيرا حتى عادوا إليه مرة أخرى يجرون معهم دراجة بخارية بها صندوق قد حملوا فيها كميات لا بأس بها من المواد الخام التى يستخدمها فى عمله وصناعة الصابون أهدوا إليه التروسيكل والمواد الخام التى تكفيه لشهور عديدة ، ولم يقف عطائهم عند ذلك الحد بل أعدوا مشروع بقالة لزوجته.
تبدلت حياة الرجل فى لحظات فهاهنا مواد يستخدمها فى عمله ، وتلك دراجة بخارية تسهل عليه توزيع منتجاته بل والذهاب بعيدا لتوسيع نطاق عمله ، حيث كان يصعب عليه تدارك المناطق البعيدة لدراجته ، أما الآن فقد سهلت عليه الدراجة البخارية وما التحق بها من صندوق فى الوصول إلى المناطق البعيدة لطلب الرزق ، أما زوجته فقد تبدل حالها تماما فقد أضاف إليها الحانوت شيئا جديدا ألا وهو تناسى الألم والوجع فهى دوما مشغولة بالبيع والشراء ، كما أن لدخول الزبائن إلى بقالتها روح خاص شيء من الألفه بعدما كانت طيلة يومها صامتة باكية من وعثاء الألم صارت تجد من يقاسمها الألم ممن حولها الذين جاؤا لدارها لطلب ما يحتاجون ، تغيرت الحياة وصار هناك ما يدفعهم لتشبث بها ، فمتطلبات ابنتها صارت تلبى شيئا فشيئا ، وأبنائها صاروا يجدون ما يريدون ، وزوجها صار يشعر بالرضا بعد الحنق والتذمر وعلاجها أصبح فى يدها حتى تغلب مرضها اللعين .
كم من خطوات تمضى فى طريق الخير تمسح الدموع عن عيون المحرومين ، أعادت المؤسسة البسمة على وجوه المحتاجين ، حفظ الله قلوبا شعرت بالفقراءوحاجاتهم، وادخلت فى بيوتهم شعاعا من الامل والفرح ، كل الشكر والتقدير للمؤسسة وحفظ الله راعيها سمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم .